جريدة البديل السياسي- بقلم: [ رشيد اخراز ]
في عالم باتت فيه الصورة أهم من الحقيقة، والأداء أسبق من الجوهر، تبرز فئة من الناس تمتلك قدرة خارقة على ارتداء الأقنعة، ليس بمعناها الحرفي، بل الرمزي. إنهم أولئك الذين يتقنون لعب الأدوار، ويتلونون وفق المواقف، ويُظهرون وجوهًا قد لا تمت بصلة إلى حقيقتهم.
يتجول هؤلاء بيننا بخفة وذكاء، يرتدون قناع اللطف حين يلزم الأمر، ويتحولون إلى نُقاد لاذعين خلف الكواليس. يظهرون في الحياة الاجتماعية وكأنهم من أنقى الناس سريرة، بينما في الخفاء قد يحركهم الحسد أو المصلحة الشخصية. إنهم لا يكذبون بالكلمات فقط، بل بالمشاعر والتصرفات، يتقنون فن التمثيل حتى أصبح جزءًا من شخصياتهم.
هذه الظاهرة ليست جديدة، لكنها تزداد تفشيًا في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يمكن للمرء أن يصنع صورة مثالية لنفسه، ويعيش بشخصية افتراضية تخدع حتى أقرب الناس إليه. البعض يرتدي قناع المثقف، وآخر قناع المتدين، وثالث يتقمص دور الضحية باستمرار، بينما يختبئ وراء ذلك أهدافٌ لا تُظهرها الأقنعة.
لكن ما الثمن؟ يعيش هؤلاء في حالة دائمة من الانفصال عن الذات، يُرهقهم تبديل الأقنعة، ويخافون من لحظة انكشافهم. فالحقيقة – كما يقولون – لا تختبئ طويلًا، والوجوه الزائفة تسقط يومًا مهما طال ارتداؤها.
قد نستطيع خداع الجميع لبعض الوقت، لكن لا أحد يستطيع أن يخدع نفسه إلى الأبد. فالإبداع الحقيقي ليس في التمثيل، بل في التمسك بالصدق في عالم يتقن الزيف.
تعليقات
0