جريدة البديل السياسي / متابعة
(الصورة للمديرة الجديدة بأحد ملاعب كرة القدم / الصورة المقابلة لشاطئ قرية أركمان (8 كلمترات عن الناظور) الذي يفترض أنه تابع لمنطقة تدخل وكالة مارتشيكا).
رغم كونه واحداً من المشاريع الملكية الكبرى التي راهن عليها جلالة الملك محمد السادس والمغاربة للنهوض بجهة الريف اقتصادياً وبيئيا، إلا أن مشروع “مارشيكا” بالناظور ظلّ حبيس التدبير العشوائي للمسؤولين.
فبدل أن يتحول المشروع إلى نموذج يحتذى به في التنمية المستدامة، أضحى المشروع مرآة لفشل ذريع على يد المدير السابق سعيد زارو، تجسده التأخيرات المزمنة، والاختلالات البنيوية، والغياب التام لأي طفرة تنموية تذكر وهو ما يعيشه المشروع مع المديرة الجديدة لبنى بوطالب.
ما حدث في مارشيكا لا يمكن وصفه فقط بسوء التسيير، بل يصل إلى حدّ الاستهتار بالأولوية التي منحها جلالة الملك لهذا الورش الاستراتيجي، ما يطرح بإلحاح ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذا التراجع، والقطع مع عقلية “الريع التنموي” التي عطلت انطلاقة مشروع كلف خزينة الدولة آلاف المليارات دون أثر فعلي على الأرض.
وعوض أن يتحول إلى مشروع ضخم يعيد البريق للمنطقة يواصل مشروع “مارشيكا ميد” غرقه في بحيرة من التناقضات والوعود المؤجلة، فبينما تُطلق وكالة تهيئة موقع بحيرة مارشيكا طلبات عروض بملايين الدراهم تحت مسميات براقة كـ”حماية البحيرة” و”تهيئة الكورنيش”، يبقى الواقع الصادم على الأرض: مساحات خضراء ذابلة، مياه معالجة تُهدر، وازبال تحيط بالبحيرة من كل مكان.
مياه مهدورة ومساحات خضراء تحتضر
قبل شهور، أُطلق ناقوس الخطر بشأن كارثة بيئية وإدارية تتمثل في تبذير ما يقارب 10 ملايين متر مكعب سنوياً من المياه المعالجة، دون استغلالها في سقي المساحات الخضراء التي تحولت إلى صحارى صفراء، أو في دعم الأراضي الفلاحية المجاورة.
وبعد تفاعل كبير مع الموضوع، خرجت مديرة وكالة مارشيكا، إلى جانب رئيس المجلس البلدي، بتصريحات تؤكد وجود “دراسة” لتوسيع محطتي المعالجة في بوعرك وبني انصار، بتنسيق مع عامل الإقليم، واستغلال هذه المياه في سقي المساحات الخضراء، بما فيها منطقة أطاليون ومحيط ملعب الغولف.
لكن على الأرض، لم يُر من هذه “الدراسات” سوى شاحنة ماء تابعة لجماعة سلوان تُسقي المساحات الذابلة بكورنيش المدينة، في مشهد مؤقت لا يرقى لحجم الأزمة. شكوك كبيرة تحوم حتى حول طبيعة المياه المستعملة، وما إذا كانت فعلاً مياه معالجة أم مجرد حل ترقيعي لا غير.
تمييز جهوي و”إبادة إدارية” داخل شركة مارشيكا ميد
تتجاوز الأزمة الجوانب البيئية إلى ما هو أخطر: سلوكيات إدارية مُهينة وتمييز جهوي صارخ. المدير المنتدب لشركة “مارشيكا ميد”، وفي جلسة خاصة بالرباط، صرّح دون مواربة بأن “الريفيين غير أكفاء ولا يستحقون البقاء في الشركة”، في تصريحات تنضح بالعنصرية والتنميط المجحف ضد كفاءات المنطقة، وهو ما تم تنقاله على نطاق واسع في صفحات بمواقع التواصل الاجتماعي.
ويروج أنه “من داخل أروقة هذه الشركة، تُدار عمليات “تطهير إداري” ممنهجة، حيث تُقصى الكفاءات المحلية ويُوزع النفوذ على أصدقاء وأقارب من خارج الإقليم. أصبحت المؤسسة التي كان يُفترض أن تكون رافعة تنموية للمشروع الملكي، مجرد ضيعة عائلية تدار بمعايير الولاء لا الكفاءة”.
ملايير تصرف على الورق.. والميدان يحتضر
مديرة الوكالة الجديدة، التي يُفترض أنها جاءت لتصحيح المسار، اكتفت بإطلاق طلبات عروض بمبالغ ضخمة دون أثر ملموس على الأرض، من بينها: 109 مليون سنتيم لأشغال حماية البحيرة، و499 مليون سنتيم لري المساحات الخضراء، و580 مليون سنتيم لتهيئة ساحة مشروع النور، و614 مليون سنتيم لخدمات النظافة المحيطة بالبحيرة، و580 مليون سنتيم لخدمات المراقبة.
صرخة الناظور.. كفى من التلاعب بالمشروع الملكي
منذ انطلاقه، وُصف مشروع “مارشيكا” بأنه بوابة أمل لساكنة الريف، لكن اليوم باتوا يرون فيه رمزاً للتهميش وسوء التسيير، حيث الكفاءات تُقصى، والموارد تُهدر، والتنمية تُقبر وسط صراعات المصالح والعلاقات الشخصية.
ما يحدث في مارشيكا ليس مجرد “سوء تدبير”، بل مسلسل من الإقصاء الإداري، والهدر المالي، وغياب الشفافية والمساءلة. وإذا لم يتم تدارك الوضع بسرعة، فقد تتحول صرخات الكفاءات المحلية إلى هتاف جماعي يصعب تجاهله، ويضع الجميع أمام مسؤولياتهم أمام الملك وأمام الوطن.
مارشيكا… إرث الفساد يلاحق الإدارة الجديدة وسط مطالب بالمحاسبة أو الرحيل
تعيش وكالة تهيئة موقع بحيرة مارشيكا بالناظور على وقع مرحلة دقيقة من التقييم وإعادة التموقع، عقب تعيين المديرة الجديدة خلفًا للمدير السابق سعيد زارو، الذي يُحاكم أمام غرفة الجرائم المالية بمحكمة الاستئناف بفاس، في ملفات تتعلق بشبهات فساد مالي وتدبير مشبوه للصفقات العمومية.
ورغم الآمال التي رافقت تعيين المسؤولة الجديدة على رأس الوكالة، إلا أن الشكوك بدأت تتسرب بشأن مدى قدرتها واستعدادها لمباشرة مراجعة شاملة للتركة الثقيلة التي خلفتها الإدارة السابقة، خاصة ما يتعلق بالمشاريع والرخص التي تم تمريرها في ظروف يلفّها الغموض، وسط حديث متزايد عن اختلالات قانونية وتجاوزات في تدبير الأموال العمومية.
مشروع “مارشيكا”، الذي خُصص له غلاف مالي ضخم قُدر بـ2600 مليار سنتيم، كان يُنتظر منه أن يتحول إلى قاطرة للتنمية السياحية والاقتصادية بالمنطقة، لكنه ظل دون مستوى الطموحات. مرافق عديدة لم ترَ النور رغم الميزانيات الضخمة، ومشاريع أخرى نُفذت في ظروف مشبوهة، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول فعالية المراقبة والشفافية في تدبير هذا الورش الملكي.
ووفق معطيات متقاطعة، فإن فترة المدير السابق شهدت تمرير عدد من الصفقات والتراخيص خارج الأطر القانونية المعتمدة، مع تغليب واضح لمنطق الزبونية والمحسوبية، خاصة في تهيئة كورنيش الناظور وبعض المشاريع السياحية المرتبطة به. وضع أثار سخطًا في الأوساط المحلية، وأجّج المطالب بفتح تحقيقات إدارية ومالية شاملة.
في هذا السياق، تجد المديرة الحالية نفسها أمام امتحان صعب، يتطلب منها اتخاذ قرارات جريئة لتصحيح الانحرافات السابقة، وإعادة بناء الثقة مع المواطنين والشركاء، عبر مراجعة شاملة للصفقات الممنوحة وتدقيق مسار الأموال العمومية التي أُنفقت دون أثر تنموي حقيقي.
ويتساءل الرأي العام المحلي: هل ستتجه الإدارة الجديدة نحو مراجعة كافة الرخص والمشاريع التي وُقّعت في عهد سلفها؟ وهل سيتم تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، أم أن الوكالة ستواصل النهج ذاته وسط غياب للمساءلة والشفافية؟
الإجابة عن هذه الأسئلة ستُحدّد إلى حد كبير مصير المشروع الملكي، الذي يُفترض أن يكون نموذجا للتنمية الجهوية المستدامة، لكنه تحوّل بفعل سوء التدبير إلى عنوان للفوضى الإدارية، في انتظار صحوة حقيقية تُعيده إلى سكته الصحيحة، أو الرحيل عن منصب المسؤولية الذي ذاق البعض حلاوة تعويضاته ونسي الثقة المولوية لجلالة الملك محمد السادس.
تعليقات
0