كتاب وآراء

قصة قصيرة..وجوه فاطمة…بقلم: خالد قدومي.

بقلم: خالد قدومي.- جريدة البديل السياسي

قصة قصيرة.

وجوه فاطمة.

 

الأسى الذي يؤلم الفؤاد سيسكنه للأبد، ويصبح المرء حبيس ذكرياته المشؤومة ،مثل الذكرى التي أحياها وجه استفز مزيان بما يحمله من ملامح الماضي الذي أضناه بانكساراته المريرة. وجه فاطمة، الدائري الأحمر كتراب الريف، عشقه الأول والأخير.

عشق اختزل كيانه في كيانها وذأب وجدانه في وجدانها عشق استبد به مثل عبد مطيع ومنتش بعذابه اللذيذ وكله توق لإسعادها!. هذا الوجه شتت عقله وحيره؛ أهو عناد قدر يريد إحياء جرح غائر؟ أم صدفة تتلاعب بذكريات سوداء تفزع صاحبها؟!.

تمعن في الوجه الذي يحجبه ظلام الحانة البئيسة كروادها. وجه مؤلوف لم يرسمه الهذيان بريشته الخيالية حتى تصوره عيناه بهذه الدقة الكاملة. حاول التقرب، أكثر وأكثر، كمن يلاحق سر الطلاسم. قاوم زحف النوم بتدليك وجهه بقطع الثلج التي تروق له مزجها وشربها مع النبيذ. حاول ملاحقة الوجه وفرزه عن الوجوه المكدسة على الجنبات.

لا،لا…ليس بوجه فاطمة وأضاف مزيان مخاطبا نفسه: مستحيل، فهي تزوجت واستقرت بهولندا يوم حسمت إختيار الاستغناء عني، وواستني بلسان شقيقها الذي إفتعل الحسرة قائلا: إنسى يا مزيان، وكن عطوفا على أيام حلوة جمعتكما كمراهقين، وحاضر…فرقكما كناضجين. أرجوك تمنى لها السعادة وأطوي الصفحة.

اللعينة كانت خائفة من الإنتقام بجهره بمحرمات ذكرياتهما الممتعة على مسامع العامة. يومها بكى خلسة وأقسم أن لا يجازف بالعشق مرة ثانية، وأن لا يضعف أمام وجه مجنونة تجرأت على عشقه فخذلها بوعوده المعلقة.

مازال هذا الماضي البعيد يقتحم حاضره عنوة، ولا يريد أن يستريح من ثقله اللعين. جرحه يأبى أن يندمل، وكأن الأيام هي الأخرى تتواطئي في التعذيب، بخلقها لمصادفات متتالية لوجوه كوجه فاطمة. بكل قواه التي بدأت تتهاوى مع توالي الكؤوس الحمراء، تمعن من جديد في ذاك الوجه المنحوس.

وجه لا يفضح سر زيفه سوى قسوة الزمن. غبي من لا يستوعب قانون الطبيعة الزاحف على الوجوه التي يدركها الشيخوخة. كيف آمن مزيان بسرمدية هذا الوجه، وجه فاطمة! اللعينة تجاوزت العقد الخامس، وربما هرمت مثله، ومع ذلك يحس أنها تلاحقه كي تقذف به في دوامة العبث. فمثلها ألف التلذذ بمعاناة الجرحى.

ازداد هذيان مزيان غورا، وبدأ صوته يعلو ويعلو. كل الوجوه مصوبة نحوه بإندهاش.

بعضها واسته بعفوية على فقدان عزيز ما!، والبقية اكتفت بابتسامتها الحقيرة في وجه سكير أصابته عدوى الهوس بذكرياته المزعجة.

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار