البديل الثقافي

قراءة موجزة في نتاجات الفيلسوف ميشيل فوكو

جريدة البديل السياسي- الاستاذ طعام عبد المجيد

قراءة موجزة في نتاجات الفيلسوف ميشيل فوكو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اعتُبر فوكو متطرفا، نظرا لدفاعه عن الأقليات والمهمشين. هاجمه المؤرخون، لأنه يوظف الفلسفة كثيرا، والفلاسفة وجدوا في خطابه تضمينا مفرطا للتاريخ. تعرض لسيوف النقد، بسبب مساندته للثورة الإسلامية الإيرانية سنة 1979.

سخر منه دوغماطيقيون أخلاقيون، بعد أن رأوا فيه مجرد مجرم، تسبب في نقل عدوى مرض فقدان المناعة أو السيدا. مع ذلك، وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على رحيله، يظل فوكو مفكر النصف الثاني من القرن العشرين، الأكثر حضورا ومتابعة في العالم سواء عند المهتمين بالدراسات الثقافية وأنصار الليبرالية، والماركسيين الجدد وكذا منظري الأدب والفن وتاريخ العلوم. بالتالي، قراءة واحدة، ستبقى عاجزة عن استنفاذ غنى هذا المشروع.

فوكو، قريب من اليسار الثاني، لذلك ترك إرثا مفهوميا ضخما، يسمح بمقاربة كونية جديدة للجنس والجنون والطب وعلم النفس المرضي والفلسفة، بل والمعارف الكبرى القائمة : علم، اقتصاد، سياسة وقانون. لقد مات قبل الأوان، قبل سبره أغوار كل التيمات التي شكلت هاجسا له.

إذن، تجميع نصوصه وحواراته (أقوال وكتابات، غاليمار 1994) وكذا توضيب الدروس التي ألقاها في “كوليج دوفرانس” بين سنوات 1970 و 1984، إلى جانب أعماله الكلاسيكية المصاغة بطريقة مبهرة، كل ذلك أضفى على هذا الفكر، مزيدا من السحر : نعثر بين طياته على مزيج من صيغ فكر، دائم التفاعل.

سنة 1970/1971، ألقى فوكو أول درس له ب “كوليج دوفراس سلسلة تمحورت حول إرادة المعرفة محاولا أن يظهر عبر تعليقه على أهم النصوص اليونانية القديمة (هيزيود، أرسطو، هوميروس، سوفوكل، السوفسطائيون) والتي شرحها كانط وسبينوزا ونيتشه، كيف تنتج كل حقبة خطابات تبتغي الفصل بين الصحيح والخطأ، العادل والجائر، الطاهر والملوث.

باختصار يتعلق الأمر لديه، أن يوضح كيف تتأسس تعبيرات انتهاكية، وراء تجليات نظام الكلمات والأشياء : اختلالات، قطائع وتصدعات.

حيث تتجابه باستمرار، أنماط معرفية متعددة. إرادة الهيمنة مقابل ابتغاء الحقيقة: سلطة ملكية عليا لدى طرف، يوازيه من جهة أخرى، اختلاف ينشأ من رفض لكل وحدة عند الطرف الثاني.

في إطار هذه الدروس، كرس فوكو فصلا كاملا لمسرحية : أوديب الملك. التي تعكس بحسبه، وبطريقة رمزية، لحظة مجابهة أصيلة في الفكر الغربي، بين كل أنماط المعرفة. سيعطي، ست روايات مختلفة لهذا التفسير، بعد ندوة 12 مارس 1971.

لكي يتجنب تحقق نبوءة “أبولون”، الذي أخبره عن مصير قتله من طرف ابنه، فإن “لايوس”، زوج “جوكاست” المنحدر من عائلة “لابداكوس”، أسرع بتسليم مولوده الجديد إلى خادم، بعد ثقب رجليه.

بيد أن الأخير، عوض حمله إلى قمة جبل « Cithéron » سيعهد به إلى راع سلمه بدوره إلى “بوليب”، ملك “كورنثة”، الذي كان في حاجة إلى أطفال. عندما بلغ أوديب سن الشباب، رحل إلى مدينة “ثيبس”، معتقدا بأنه قد تخلص من قدره.

لكنه في الطريق، تصادف أن التقى ب “لايوس”، ونتيجة حدوث شجار بينهما، سيقتله أوديب، الذي استطاع بعد ذلك حل لغز التنين “سفنكس” ثم تزوج ب “جوكاست” التي لم يحبها أو يشتهيها، وأنجبت منه أربعة أطفال. حينما اجتاح الطاعون المدينة، سيقوده تحريه إلى أن يكتشف الحقيقة التي يدرك سرها الكاهن الأعمى”ترزياس”.

مبعوث من الخادم السابق، أخبره بوفاة “بوليب”، وحكى أيضا كيف حصل عليه، من أيادي الراعي. لذلك، شنقت “جوكاست” نفسها، وأوديب فقأ عينيه.

بالنسبة للإغريق، أوديب بطل تراجيدي. أصابه الغلو، حينما اعتقد نفسه قويا بمعرفته وحكمته، مما جعله عاجزا عن اكتشاف شخص آخر غير ذاته. إنزلاق، سيؤدي إلى الإخلال بنظام الأجيال. إنه مضطرب، فهو ابن وزوج أمه، أب أطفاله وأخ لهم، ثم قاتل لوالده.

حينما وقف فرويد على هذه القضية سنة 1896، حول الدلالة الإغريقية للتراجيدية كي يجعل من أوديب بطلا متهما، باشتهاء لا واعي لأمه حد الرغبة في قتل أبيه، فربط بذلك التحليل

 

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار