جريدة البديل السياسي
داخل مختبر للتحليلات الطبية بمدينة طنجة تتجاذب موظفتان أطراف الحديث حول موضوع النحر في عيد الأضحى، فاستفسرت إحداهما الأخرى عن كيفية تدبر الأمر خلال هذه السنة “غير العادية”، فأجابتها “الوزيعة.. راجلي اشترك مع صاحبو وقسمنا حولي”.
هذا المشهد يلخص حال الكثير من الأسر المغربية في مختلف المناطق، التي تعيش على إيقاع الحيرة بشأن كيفية التعامل مع عيد هذه السنة، خصوصا مع الإهابة الملكية بعدم نحر الأضاحي.
العديد من الأسر المغربية اشترت الأضاحي، فيما التزمت فئة بعدم الشراء، وأخرى لجأت إلى حل وسط، مثل الذي اقترحته السيدتان العاملتان في مختبر التحليلات الطبية بطنجة، دون أن تخالف بذلك توجيه ولي الأمر، ودون أن تتخلى عن طقوس العيد، التي يمثل أكل اللحم بأطباقه المتنوعة أحد أشكالها البارزة.
الجريدة تواصلت مع عدد من الأسر، التي أكدت أنها لجأت إلى “الوزيعة” كحل وخيار بديل عن الجزار لتفادي “غلاء الأسعار”، الذي يحرق جيوب المواطنين منذ أسابيع.
سواء اشترى خروفا أو عجلا، الهدف واحد “الوزيعة” لضمان الحد الأدنى من شروط العيد ومحاولة محاكاة طقوسه الاجتماعية والثقافية المتأصلة في المجتمع المغربي.
وفي تعليقه على هذه الظاهرة، يرى السوسيولوجي أحمد شراك أن “الوزيعة” عادة مغربية أصيلة، تعني اشتراك “مجموعة من الناس في ذبح كبش أو عجل وتقسيمه على عدد الأفراد المساهمين فيه”، معتبرا أنها نوع من “الآلية الدفاعية الاجتماعية في أكل اللحم وتناوله، ربما بسعر أقل من الذي يباع عند الجزار”.
وأضاف شراك، في تصريح للجريدة ، أن “الوزيعة” فيها نوع من “الاقتصاد المالي وطقس الجماعة في عملية الذبح والسلخ، ثم توزيع الأحشاء وكميات اللحم بالتساوي”، مشيرا إلى أنه يرافق ذلك “طقس بهيج لا يخلو من قهقهات وترديد بعض الأمثال الشعبية”.
وسجل السوسيولوجي المغربي أن هذا الطقس يحضر بشكل كبير في الأوساط الشعبية، سواء في الأحياء الهامشية للمدن أو في البوادي، مبرزا أنه يستعمل اليوم عند الفئات الاجتماعية نفسها لضرب عصفورين بحجر واحد.
وزاد موضحا أن لجوء الناس إلى “الوزيعة” فيه التزام بـ”عدم نحر الأضحية بشكل فردي وعدم التنازل عن أكل اللحوم، خاصة في هذا التوقيت الذي هو عيد الأضحى”.
وأشار إلى أن “الوزيعة” هي “آلية دفاعية من أجل تلبية نداء صاحب الجلالة بعدم نحر الأضحية في هذه السنة لأسباب اقتصادية، وحفاظا على ثمن اللحوم في السوق أو لربما سبب انخفاضه”.
وأضاف أن نسبة كبيرة من أبناء الطبقات المتوسطة لا تضحي “ممعيدينش”، وتقضي العيد في مدن أخرى، مشيرا إلى أن الكثير من الفنادق تشهر “أثمنة مناسبة من أجل جذب هذه الفئات لإقامة فترة العيد فيها، وأصحاب الفندق قد يهيئون طقس العيد، خاصة في صبيحته، للزبناء حتى لا يحسون بنوع من الاغتراب عن عادات المجتمع”.
وختم شراك تصريحه قائلا: “عيد الأضحى سنة، ولكننا نلاحظ في الوقت ذاته أنه يأخذ مظهرا اجتماعيا أكثر مما يأخذ من مظهر ديني من عناوينه التصدق باللحم على الفقراء والمساكين، وهذا الأمر لا يحضر إلا نادرا”.
تعليقات
0