كتاب وآراء

حول أي حلول في المغرب لجعل الجهوية المتقدمة والمركزية واللامركزية في خلق تنمية مستدامة عامة وخلق جهوية متقدمة في كل الجهات وإدخال المناطق النائية والجبيلية والقروية في كرة واحدة اسمها النجاح

إعداد : الباحث شاشا بدر – جريدة البديل السياسي

حول أي حلول في المغرب لجعل الجهوية المتقدمة والمركزية واللامركزية في خلق تنمية مستدامة عامة وخلق جهوية متقدمة في كل الجهات وإدخال المناطق النائية والجبيلية والقروية في كرة واحدة اسمها النجاح

 

 

 

في السنوات الأخيرة، أصبحت الجهوية المتقدمة في المغرب من أبرز المبادرات التنموية التي تهدف إلى تعزيز التنمية المستدامة في مختلف مناطق المملكة، خاصة في الجهات التي تعاني من نقص في الموارد والبنية التحتية مثل المناطق النائية والجبيلية والقروية. إن تطبيق مبدأ الجهوية المتقدمة يتطلب إرساء توازن بين المركزية واللامركزية في صنع القرار، وهو ما يعد عنصراً أساسياً لضمان النجاح الفعلي لهذه المبادرة الطموحة. يتطلب ذلك، أكثر من أي وقت مضى، حلولاً مبتكرة وقابلة للتنفيذ بحيث لا تُترك أي منطقة خلف الركب، بل يتم إدخال كل المناطق في “كرة واحدة” اسمها النجاح.

 

المغرب، كدولة ذات تنوع جغرافي وبيئي واجتماعي كبير، يحتاج إلى صياغة حلول تنموية شاملة تعتمد على استراتيجيات تضمن التوازن بين تحقيق التنمية المستدامة وتوزيع العوائد بشكل عادل بين جميع المناطق. المركزية في صنع القرار قد تكون فعالة في التنسيق وإيجاد استراتيجية وطنية موحدة، لكنها قد تكون عائقاً أمام تطور الجهات التي لا تتمتع بالكثير من الموارد أو البنية التحتية اللازمة. في المقابل، توفر اللامركزية، من خلال منح الجهات صلاحيات أكبر في إدارة شؤونها، الفرصة لإدماج القضايا المحلية بشكل أكثر فعالية.

 

ولكن كيف يمكن للجمع بين المركزية واللامركزية أن يسهم في تحقيق تنمية مستدامة عامة، وكيف يمكن لمفهوم الجهوية المتقدمة أن يساعد في إدخال المناطق النائية والجبيلية والقروية في كرة واحدة نحو النجاح؟

 

أولاً: الجهوية المتقدمة كأداة لتوزيع العوائد بشكل عادل

 

الجهوية المتقدمة، التي تسعى إلى منح الجهات صلاحيات أكبر في إدارة شؤونها، تتيح لكل جهة أن تقوم بتحديد أولوياتها التنموية استناداً إلى خصوصياتها المحلية. هذه المبادرة تعزز من القدرة على وضع خطط تنموية تتناسب مع احتياجات كل منطقة، سواء كانت منطقة جبلية، نائية أو قروية. لذلك، من الأهمية بمكان أن يتم توزيع العوائد من التنمية بشكل عادل بحيث لا تترك الجهات الأكثر تهميشاً خارج الحسابات.

 

المناطق النائية والجبيلية والقروية غالباً ما تعاني من ضعف في البنية التحتية، قلة في الفرص الاقتصادية، وندرة في الخدمات الأساسية. هذه المناطق بحاجة ماسة إلى استثمارات موجهة لتطوير التعليم، الصحة، والنقل، إلى جانب توفير فرص العمل المناسبة لشبابها. لا يمكن تحقيق هذا إلا إذا كانت هناك سياسات تنموية تراعي الخصوصيات المحلية. هنا تأتي أهمية الجهوية المتقدمة، حيث يكون للجهات دور أساسي في تحديد المشاريع التي تساهم في تحسين واقع هذه المناطق.

 

ثانياً: التوازن بين المركزية واللامركزية في صنع القرار

 

من خلال التوازن بين المركزية واللامركزية، يمكن للمغرب أن يحقق التنسيق المثمر بين القرارات الحكومية العامة والاحتياجات المحلية. المركزية تُساعد في وضع استراتيجيات تنموية واضحة ومتكاملة على المستوى الوطني، بينما اللامركزية تتيح للجهات إبداء مرونة في تنفيذ هذه الاستراتيجيات بناءً على واقعها المحلي.

 

في هذا السياق، يجب أن تُعطى الجهات صلاحيات أوسع في مجال التخطيط وإدارة المشاريع التنموية. في الوقت نفسه، على الحكومة المركزية أن تظل تحتفظ بصلاحيات الرقابة والتوجيه لضمان التنسيق بين مختلف الجهات، وتفادي أي نوع من الفوضى أو الازدواجية في المشاريع. هذا التوازن يعزز من مرونة عملية التنمية، ويُسهم في تنفيذ مشاريع تعكس الاحتياجات الحقيقية لكل جهة.

 

ثالثاً: تعزيز البنية التحتية في المناطق النائية والجبيلية والقروية

 

واحدة من أهم المشاكل التي تواجهها المناطق النائية والجبيلية هي البنية التحتية الضعيفة. طرق غير معبدة، نقص في المستشفيات والمراكز الصحية، وضعف في خدمات التعليم، كلها عوامل تجعل من الصعب على هذه المناطق تحقيق أي نوع من التنمية المستدامة. الحلول تكمن في ضخ استثمارات كبيرة لتحسين البنية التحتية في هذه المناطق، وتوسيع شبكة الطرق والمواصلات لتسهيل الوصول إلى المراكز الحضرية الكبرى.

 

كما يجب توفير خدمات أساسية كالكهرباء والماء الصالح للشرب، وهو ما يُعتبر أساسياً لتحسين مستوى معيشة السكان. إذا تم تحسين هذه الجوانب، ستكون المناطق النائية والجبيلية قادرة على جذب استثمارات جديدة، مما يساهم في خلق فرص عمل وتنشيط الاقتصاد المحلي.

 

رابعاً: تعزيز التعليم والتكوين المهني

 

التعليم والتكوين المهني هما أساس أي عملية تنموية مستدامة. فبمجرد أن تتمكن الأجيال القادمة من الحصول على تعليم جيد، سيصبح لديهم القدرة على تحسين واقعهم الاجتماعي والاقتصادي. هذا هو المبدأ الأساسي الذي يجب أن يتم العمل عليه في جميع الجهات، وخاصة في المناطق النائية. يجب توجيه استثمارات كبيرة لتوفير المدارس الحديثة والمرافق التعليمية المناسبة، مع التركيز على تكوين الكفاءات في مختلف المجالات.

 

وبالنسبة للمناطق الجبلية والقروية، يجب أن تكون هناك برامج تكوين مهني تتماشى مع احتياجات السوق المحلي، مثل التدريب على الصناعات المحلية، الحرف اليدوية، الزراعة المستدامة، والصناعات الصغيرة. ذلك يضمن توظيف الشباب في مجالات تنموية محلية، ويقلل من الهجرة إلى المدن الكبرى.

 

خامساً: الاستفادة من الطاقات المتجددة لتعزيز التنمية المحلية

 

منطقة المغرب تتمتع بإمكانات هائلة في مجال الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية والريحية. يمكن للمناطق النائية والجبيلية أن تستفيد بشكل كبير من هذه الموارد الطبيعية من خلال تطوير مشاريع طاقة متجددة محلية. تساهم هذه المشاريع في خلق فرص عمل، وتحسين مستوى الخدمات الأساسية، وتساهم في استدامة الموارد الطبيعية.

 

على سبيل المثال، يمكن لمناطق مثل ورزازات، زاكورة، طاطا، والسمارة، التي تمتاز بإشعاع شمسي قوي، أن تتحول إلى مراكز للطاقة الشمسية، وهو ما يعود بالفائدة على الاقتصاد المحلي ويخفف من الاعتماد على الوقود الأحفوري.

 

سادساً: تعزيز دور المرأة والشباب في التنمية

 

من دون إشراك المرأة والشباب في عمليات التنمية، ستظل هذه المناطق في حلقة مفرغة من التهميش والفقر. على المستوى المحلي، يجب أن تتاح الفرص للنساء والشباب للمشاركة في اتخاذ القرارات الخاصة بالتنمية المحلية، سواء من خلال المجالس المحلية أو عبر تشكيل جمعيات تنموية تساهم في التوعية وتحفيز المشاريع الصغيرة.

 

تشجيع النساء على الدخول في سوق العمل من خلال دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتوفير الدعم المالي والتقني للشباب لبدء مشاريع خاصة بهم، سيُساعد بشكل كبير في تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي لهذه المناطق.

 

إن الطريق نحو تنمية مستدامة في المغرب يتطلب مزيجاً من الحلول العملية والإستراتيجيات الجهوية المتقدمة التي تأخذ في اعتبارها تنوع احتياجات المناطق المختلفة. يجب على المغرب أن يواصل تعزيز الجهود لضمان التوزيع العادل للثروات والموارد، وأن يضمن أن تكون كل المناطق، سواء كانت نائية أو جبلية أو قروية، جزءاً من “كرة النجاح” التي تضم الجميع. من خلال الجهوية المتقدمة، والتوازن بين المركزية واللامركزية، وتحسين البنية التحتية، وتعزيز التعليم، واستغلال الطاقات المتجددة، يمكن للمغرب أن يحقق تطوراً شاملاً ومستداماً يعكس التطلعات الوطنية ويحقق العدالة الاجتماعية لجميع مواطنيه.

 

 

 

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار