جريدة البديل السياسي
حكيم شملال مستشار جماعب بجماعة الناظور عضو يوجه رسالة إلى وزير الداخلية وعامل إقليم الناظور،
تحية طيبة وبعد،
لا أكتب هذه الرسالة فقط كمواطن يعشق مدينته وبلده وساكنيها، ولا أيضا كمستشار جماعي يشارك أبناء مدينته هم التنمية المحلية، بل أكتبها كذلك كخبير في مجال الفنون البصرية وتناسق الألوان والأشكال، وهو المجال الذي مارسته لعقود، سواء خلال إقامتي في المهجر أو بعد عودتي إلى أرض الوطن.
فمنذ أن كنت هاويا للفن منذ نعومة أظافري، ثم طالبا، ثم محترفا وفاعلا في هذا الميدان لأكثر من خمسة وثلاثين سنة، لم أتوقف يوما عن البحث والتعلم والتعمق في هذا المجال.
لقد علمنا مؤخرا بقرار توحيد ألوان المظلات المستعملة في محلات المدينة، وحصرها بلونين محددين، هما الأبيض والأزرق، ضمن تصميم وشكل موحدين، دون فسحة للاجتهاد أو الإبداع الفردي. والأسوأ من ذلك، أن هذا القرار لا يقتصر على المظلات فحسب، بل يتزامن مع قرار جماعي مواز يرمي إلى توحيد ألوان المدينة ككل، بما في ذلك البنايات والواجهات، في محاولة لفرض هوية بصرية موحدة، على حساب الغنى البصري والتنوع الجمالي الذي طالما ميز الناظور.
من الناحية الجمالية،
صحيح أن توحيد الألوان قد يمنح المدينة مظهرا من الانسجام البصري، والنظافة، والنظام الحضري. وهذا نجده في بعض المدن السياحية مثل شفشاون في المغرب، أو سانتوريني في اليونان، حيث أصبح التناسق اللوني جزءا من هوية المدينة وجاذبيتها.
لكن هذا النموذج لا يمكن نسخه وتطبيقه بشكل آلي على كل المدن. الناظور بتاريخها، وتنوعها الثقافي، وخصوصية مجتمعها، ليست صورة مكررة لأي مكان آخر. فرض لون واحد عليها يخنق روحها، ويمحو بصمتها الجمالية، ويقضي على التعدد الذي يميزها.
طلاء مباني مدينة شفشاون باللونين الأبيض والأزرق، على سبيل المثال، لم يكن نتيجة قرار إداري رسمي، بل هو تقليد تاريخي يعود إلى تأثير اللاجئين المسلمين واليهود الأندلسيين الذين استقروا في المدينة منذ نهاية القرن الخامس عشر.
بالتالي، يمكن القول إن اللونين الأبيض والأزرق في شفشاون هما نتاج تاريخي وثقافي مرتبط بالتراث الأندلسي واليهودي، لا نتيجة قرار فوقي فرضته جهة حكومية.
والأهم أن تلك المدن لم تفرض عليها هوية لونية بقرارات إدارية، بل تشكلت ملامحها عبر تراكم ثقافي طويل، وتجربة جماعية متجذرة في المكان والزمان.
من الناحية الرمزية،
التوحيد البصري المفرط يعطي انطباعا بالتحكم لا بالتنظيم، ويحول المدينة إلى لوحة مسطحة بلا روح. قد يفهم هذا التوحيد على أنه قد يعزز عند الناس إحساسا بالانتماء الجماعي، وكأن الجميع جزء من كيان واحد مترابط ومتجانس. لكنه في المقابل، قد يتحول إلى ضغط اجتماعي يجبر الفرد على التخلي عن خصوصيته وأسلوب حياته، من أجل الانسجام مع المجموعة. مع مرور الوقت، قد تتحول هذه المجموعة إلى جهة متحكمة في أنماط الفكر، وحرية التعبير الفردي، وفرض ذوق جماعي موحد على الأذواق الشخصية، واللباس، وحتى العادات مثل الأكل، مما يقيد حرية الفرد، ويخنق التنوع والاختلاف.
هذا التحكم يعبر عن غياب التنوع، وتقييد الرؤية الجماعية بقسرية، حيث تفضل المصلحة العامة كما تفهم إداريا، على حرية الفرد، ويقتل التميز لصالح نمط واحد مفرغ من الروح، مما يؤدي إلى تكريس نموذج لمدينة خاضعة، لا يسمح فيها بالاختلاف أو التعبير عن الذات.
من زاوية نقدية ابداعية:
في الأدب والفن والسينما، تقدم المدن الموحدة الشكل واللون كرمز المدن الميتة، المعقمة، الخالية من الروح. هذه قرارات تجعل المدينة أشبه بمشهد ديستوبي، كأنها بيئة قمعية ومقيدة، حيث تفرض الألوان، وتحدد الزوايا، ويمنع الاجتهاد والاختلاف. والنتيجة، مدينة بلا ذاكرة ثقافية، لا تميز فني، ولا إبداع فردي، لا تلهم زائرا، ولا تحفز فنانا، كأنها صورة رمزية لخنق الإبداع، تحت مظلة النظام أو القانون أو الذوق الموحد.
نتيجة قرار توحيد المظلات:
أما القرار الخاص بالمظلات، فله بعد أكثر خطورة، إذ لم يقتصر على تحديد لونين فقط، بل فرض أيضا شكلا وتصميما موحدا، لا يترك لصاحب المحل أدنى هامش للإبداع، أو الاجتهاد في التنفيذ، أو التزيين، أو التناسق. هذا التقييد الكامل يمثل إلغاء للهوية التجارية والمرئية الفردية، ويفرغ المشهد الحضري من كل غنى بصري.
هذا النوع من التوحيد لا يأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل محل، وطبيعة نشاطه، وحاجاته التسويقية، ويقلل من فرص جذب الزبائن، ويحد من حرية التعبير التجاري، التي تعتبر من عوامل النجاح في السوق التنافسي. كما يخلق انطباعا بأن المدينة فقدت حيويتها واختلافها، ما قد يؤثر سلبا على صورتها في أذهان الزوار والمستثمرين، ويضرب الاقتصاد المحلي بشكل غير مباشر.
بل الأخطر من ذلك، أنه سيقضي على تميز محلاتنا ومنتجاتنا، وجودتها وتنافسها، ويضعف من حضورها أمام المنتجات المتوفرة في مدن كبرى بالمغرب، حيث الإبداع مفتوح في تقديم المنتجات داخل محلات مصممة بعناية، وبأساليب جمالية متفردة، تجذب الزبائن وتعكس احترافية أصحابها.
في المدن الحية، المحل التجاري ليس فقط نقطة بيع، بل واجهة فنية تعكس ذوق صاحبها وطبيعة المنتج. وهذا ما نفتقده اليوم مع فرض نموذج واحد وجامد، لا يعبر عن التنوع، ولا يراعي خصوصيات كل نشاط تجاري.
إنني إذ أكتب إليكم اليوم، لا بدافع الرفض الأعمى، ولا انطلاقا من موقف ذاتي، بل من إيمان عميق بأن الجمال لا يفرض، بل يبنى بمشاركة حقيقية، بتقدير لخبرات أبناء المدينة.
لذا، ألتمس منكم إعادة النظر في هذا القرار، أو على الأقل فتح نقاش موسع وتشاركي، يضم فنانين، مهنيين، تجارا، ومهتمين بالشأن العام، حتى نبدع معا نموذجا جماليا يعكس روح الناظور وفرادتها، دون أن يقيد حرية الفرد أو يخنق حسه الإبداعي.
إن تنمية المدينة لا تعني فقط تحسين بناها التحتية، بل تشمل أيضا رعاية روحها، وفسح المجال أمام طاقاتها الإبداعية، واحترام ذوق سكانها ومهنييها. الناظور ليست فقط مجالا عمرانيا، بل فضاء للعيش، للتعبير، والإلهام. ولن يكون لها مكان في المستقبل إلا إذا كانت قادرة على احتضان التنوع، لا على توحيده قسرا
وفقكم الله في مهامكم، وجعل من الناظور مدينة يحتذى بها في الذوق كما في الحكامة.
حكيم شملال
من ابناء هذه المدينة ومن عشاق هذا الوطن المتعدد الثقافات
تعليقات
0