جريدة البديل السياسي/ متابعة
في خطوة أثارت الكثير من علامات الاستفهام، اكتفت السلطات الجزائرية ببيان مقتضب عقب إعلان الولايات المتحدة تجديد دعمها لمغربية الصحراء، في وقت كانت فيه التوقعات تتجه نحو رد فعل قوي من الجزائر، لا سيما في ظل الخطاب الحماسي الذي دأبت على تبنيه في هذا الملف.
ورغم إعلان وزير الخارجية الأمريكي بشكل واضح استمرار اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، لم تلجأ الجزائر إلى سحب سفيرها من واشنطن، ولم تستدع السفيرة الأمريكية في الجزائر، ولا عقدت اجتماعات طارئة لمجلس الأمن الأعلى، ولا حتى لجأت إلى أدواتها الإعلامية المعتادة لشن هجومات أو تصعيد المواقف.
الصمت الرسمي الجزائري، الذي لم يتجاوز عبارة “أخذنا علماً”، شكل مفاجأة كبيرة للمراقبين، خاصة وأنه يأتي بعد تهديدات سابقة كانت الجزائر قد أطلقتها تجاه دول أوروبية مثل فرنسا وإسبانيا، قبل أن تعود لاحقاً لإعادة السفراء دون إجراءات تصعيدية تُذكر.
ويرى متابعون أن هذا التباين في المواقف يكرّس ازدواجية الخطاب السياسي الجزائري، ويؤكد أن “المواقف السيادية” التي تروج لها بعض الأوساط في الجزائر لا تصمد أمام الاختبارات الدبلوماسية الكبرى، ولا سيما حين يتعلق الأمر بقوة عظمى كالولايات المتحدة.
كما يُطرح السؤال حول قدرة الجزائر على التصعيد في ظل علاقات اقتصادية محدودة مع واشنطن، خاصة في قطاع الطاقة، إذ لا تملك أوراق ضغط حقيقية مثلما هو الحال مع شركاء أوروبيين تعتمد بشكل كبير على الغاز الجزائري.
رشيد لزرق، رئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية،في تصريح للجريدة، أكد أن نظام العسكر الجزائري يواجه تحديات كبيرة بعد التأكيد الأمريكي على مغربية الصحراء، ما يعيد فتح ملف النزاع الإقليمي المفتعل في ظل الضغوط الدولية المتزايدة على الجزائر.
وأشار لزرق إلى أن هناك أربع سيناريوهات محتملة قد يتبعها نظام العسكر في تعاطيه مع الوضع الجديد، الأول هو الطرح التصعيدي، حيث قد يستمر النظام في تصعيد عدائه تجاه المغرب في المحافل الدولية، عبر دبلوماسيته، لدعم الطرح الانفصالي، والعمل على كبح التوجه الدولي للاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وقد يستمر النظام في دعم البوليساريو مادياً وسياسياً وعسكرياً في هذا السياق، في محاولة لعرقلة أي حل سياسي لهذا النزاع.
أما السيناريو الثاني، فقد يكون القبول بالأمر الواقع مع المناورة، حيث قد تسعى الجزائر لمجاراة التوجه الدولي بالتصريح عن استعدادها للتفاوض حول النزاع، ولكن بشروط مسبقة، بما يضمن استدامة النزاع بشكل غير مباشر.
السيناريو الثالث الذي يطرحه لزرق هو البراغماتي، حيث قد يتبنى نظام العسكر الجزائري الواقعية السياسية، ويقبل بفتح قنوات تفاوض مباشرة مع المغرب، مدفوعاً بالضغوط الدولية وبالمصالح الاقتصادية المشتركة بين المغرب والجزائر في المنطقة المغاربية، هذا الاتجاه قد يكون نتيجة للضغوط الدولية المتزايدة من القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وأوروبا.
وأخيراً، السيناريو الرابع قال لزرق هو إشراك وسطاء دوليين، خاصة دول خارج حلفاء المغرب مثل روسيا، لضمان تحقيق التوازن في الموقف الجزائري أمام ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك سيتيح للجزائر فرصة حفظ ماء الوجه، فيما يخص تبعات الملف الداخلي، الذي قد يؤدي إغلاقه إلى تأثيرات سلبية على هيمنة العسكر داخل النظام الجزائري، مما يعزز الحاجة إلى انتقال ديمقراطي داخلي.
تعليقات
0