ليلى المرّاني- جريدة البديل السياسي
كنت أذهب إلى المدرسة ببنطال أبي المهترئ بعد أن قصّرته والدتي وحاولت أن تضيّقه كي يلائمني ، أثبّته على وسطي بحبل قصير كي لا يسقط.. وهذا
ما كان يثير سخرية الأولاد منّي، فأعود إلى البيت باكيًا..
– لا أريد الذهاب إلى المدرسة –
أصرخ بأعلى صوتي وأرمي كتبي على الأرض.. تحتضنني أمي.. تضمّني إلى صدرها وتقبّلني، فقد كنت وحيدها، والدي توفيَ وأنا ما زلت صغيرًا
– لماذا؟
– الأولاد يسخرون من ملابسي، ويطلقون عليّ ، ” أبو حبل “..”
يا ولدي العزيز، ستلبس يومًا أحلى وأغلى الملابس.-
– متى.. وكيف؟
حين تهتمّ بدراستك وتتفوّق، سوف يحترمك الجميع.. وحين تتخرّج وتعمل، ستشتري ما تريد.-
ألتصق بصدرها، وأجهش بالبكاء..
أصبحت أكتم غيظي ولا أعير اهتمامًا لتعليقات الأولاد وضحكهم.. بذلت كل جهدي واهتمامي لأكون متفوّقًا، بل أصبحت الأول في قائمة الناجحين.. وأصبح زملائي يستعينون بي، ونلت محبّتهم واحترامهم، ووعدت أمي أن أصبح طبيبًا وأعالج أمراضها المزمنة، ضحكت وهي تمسح دموعها،” بإذن الله حبيبي، وبجهودك ستصبح طبيبًا. “.
حدث أن الأستاذ حامد، وهو مرشد صفّنا، ويحبّني كثيرًا، حتى إنه جعلني فارس الصف.. دعاني حين انتهاء الدوام
باسم.. هذه هدية لك مني.-
– لماذا يا أستاذ؟
لأنك تلميذ متفوّق، وتستحق التكريم.-
أخذت الظرف المغلق منه متردّدا، ولم أكن أعرف ماذا يوجد بداخله.. أسرعت إلى أمي كي أريها هدية معلّمي.. وحين فتحت الظرف وجدت بداخله مبلغًا من المال وورقةً صغيرة كُتب عليها، ” باسم، هذا المبلغ الصغير أهديه لك كي تشتري بنطالًا جديدًا..”
لم أفهم حينها لماذا انقلبت سحنة أمي، وكأنها تلقّت ضربةً قاسية على رأسها.. أعادت المبلغ إلى الظرف، وتركتني لحيرتي..
في اليوم الثاني، تفاجأت بها تطرق باب الصف.. خرج إليها الأستاذ حامد
نعم، تفضّلي.-
أنا أم باسم.-
-أهلًا بك سيّدتي.. بماذا أخدمك؟
أخرجت الظرف من جيبها
شكرًا لك أستاذ حامد.. ولكننا لسنا شحّاذين.-
تلعثم الأستاذ حامد، وقبل أن يردّ عليها، أسرعت إلى الخارج.. وأخفيتُ رأسي تحت طاولتي..
أتذكّر الآن تلك الحادثة وأنا في عيادتي.. ما فعلته والدتي جعلني أكثر اعتزازًا بنفسي، وأكثر إصرارًا على أن أكون ما أنا عليه الآن.. طبيب مشهور، أمتلك ما أريد.. ولم أنسَ أن أخصّص يومًا في الاسبوع لمعالجة الفقراء مجّانًا..
شكرًا لك يا أمي، فقد زرعتِ في داخلي شعورًا بالاعتزاز والإصرار للوصول إلى هدفي.. وشكرًا لك معلّمي الرائع، الأستاذ حامد، إذ كنت دافعًا لهذا الاعتزاز..
تعليقات
0