جريدة البديل السياسي |كتاب وآراء

الناظور.. مدينة تبحث عن سياحة حقيقية وسط فوضى الواقع.

524618505_742290205101887_5551598215762429217_n

جريدة البديل السياسي – بقلم : محمد الحدوشي.

في كل صيف، تعود الأسطوانة نفسها إلى مدينة الناظور الحديث عن السياحة، وعن كون المدينة وجهة مفضلة لمغاربة العالم، وكأن الأمر تحقّق فعليًا على أرض الواقع. لكن الحقيقة التي يراها الزائر قبل الساكن، أن الناظور ما زالت بعيدة كل البعد عن أن تكون مدينة سياحية، لا من حيث البنية التحتية، ولا من حيث جودة الخدمات، ولا حتى من حيث مقومات الراحة والسكينة التي يفترض أن يجدها السائح في أي مدينة محترمة.

كيف لمدينة يُفترض أنها سياحية أن لا تتوفر حتى على مدخل حضري لائق؟ طريق رئيسية لا تتسع لأربع سيارات، مكتظة، محاطة بعشوائيات عمرانية وبنية مهترئة، وكأنك تدخل إلى حي مهمّش لا إلى مدينة متوسطية.

لا باركينغ عمومي منظم، ولا لوحات إرشادية، ولا تنظيم مروري يُحترم، بل فوضى تامة تتكاثر معها حوادث السير والمشاحنات. وإذا ما كتب لك أن تصل إلى قلب المدينة، فستُقابل بـ كورنيش جميل على مستوى الشكل فقط، لكنه مفرغ من أي مضمون سياحي حقيقي.

أربع مقاهٍ لا غير، تتفنن في تغيير أثمنتها كل خمسة أيام وكأن الزبون لا يفقه شيئًا، ناهيك عن ضعف الخدمات، واحتكار الفضاءات العمومية لفائدة مشاريع خاصة لا تراعي لا الجودة ولا القدرة الشرائية للزوار. وعوض أن يكون الكورنيش فضاءً للراحة والهدوء، يتحول في كثير من الأحيان إلى سيرك مفتوح تعمّه الفوضى، حيث تنتشر تروتينات كهربائية بلا قانون، يقودها أطفال ومراهقون بشكل متهور، دون مراقبة أو تنظيم. إلى جانبهم، يُمارس البعض الاستعراض البهلواني بالدراجات النارية وسط الممرات العامة، في تهديد مباشر لسلامة الأسر والأطفال، وكل هذا في غياب تام لأي تدخل أمني أو ضبط ميداني حقيقي.

ولا تتوقف الفوضى عند هذا الحد، بل تضاف إليها مظاهر القيادة الاستعراضية للسيارات في الشوارع الرئيسية، حيث يتسابق بعض الشباب ليلاً بسيارات معدّلة أو ذات محركات صاخبة، وكأن المدينة تحوّلت إلى حلبة سباق مفتوحة على أعين الجميع.

وفي وسط هذا المشهد، يظهر أطفال وشباب متخفّون تحت لباس ميكي ماوس و سبايدرمان ، يتجولون في الكورنيش لطلب المال والتقاط الصور مقابل دريهمات، في مشهد يجمع بين التسوّل المقنّع والاستغلال الطفولي، ويعكس غياب الرقابة والتنظيم الحضري.

وإذا اعتقدت أن الأمر سيتوقف هنا، يكفي أن تتجوّل في بعض شوارع المدينة لتصطدم بمفارقة عجيبة أشغال وحفر وتدخلات عشوائية في قلب فصل الصيف، حيث حركة السياح والجالية في أوجها، والمدينة تعجّ بالزوار. مشاهد الحفر وعرقلة السير وتحويل الطرقات، وسط الحرارة والزحام، تكشف سوء تدبير واضح، إذ من المفروض أن يتم برمجة مثل هذه الأشغال خارج موسم العطل الصيفية، لا أثناءه، احترامًا للساكنة والزوار على حد سواء. أما المرافق الأساسية، فحدّث ولا حرج.

لا مراحيض عمومية، لا فضاءات ألعاب حقيقية للأطفال، لا مسارات مخصصة للمشي أو للدراجات.

في المقابل، تنتشر جحافل المتسولين الذين أصبحوا جزءًا من المشهد اليومي، إلى جانب حراس السيارات غير القانونيين، أصحاب (الجيلي)، الذين يفرضون على الناس إتاوات في واضحة النهار دون رادع قانوني، وكأن الأمر بات حقًا مكتسبًا لا فوضى عارمة. ما الذي يُقدم للزائر في الناظور؟

هل السياحة هي فقط الشمس والبحر وكورنيش بائس؟

ماذا عن الثقافة؟

عن المآثر التاريخية؟

عن المساحات الخضراء؟

عن الأمن السياحي؟

عن برنامج تنشيطي سنوي؟

عن فنادق ذات جودة؟

عن نقل حضري محترم؟

الناظور لا ينقصها الجمال الطبيعي، ولا حبّ ساكنتها لتطور مدينتهم.

لكن ما ينقصها فعلًا هو رؤية واضحة وإرادة حقيقية لجعلها مدينة تُحترم، لا مجرد محطة عبور صيفية تُنهك جيوب الزوار دون أن تقدم لهم شيئًا مقابل ذلك.

إن كنا نريد فعلاً أن نتحدث عن السياحة في الناظور، فعلينا أولًا أن نبدأ من الأساسيات التخطيط، التنظيم، المراقبة، وتوفير البنية التحتية الكفيلة بجعل هذه المدينة تستحق أن يُطلق عليها لقب مدينة سياحية .

أما غير ذلك، فمجرد وهم نردّده في نشرات الأخبار والمنشورات الرسمية، لا غير.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي جريدة البديل السياسي