جريدة البديل السياسي |كتاب وآراء

الســــــؤال … قصة قصيرة … بقلم الأستاذ عبد المجيد طعام

490220328_2305747896486901_464203224166014437_n

الأستاذ عبد المجيد طعام… جريدة البديل السياسي

منذ اللحظة التي تم فيها انتخاب “الحاج التهامي” ممثلاً للشعب في البرلمان، كانت الأحداث تسير ، كما لو أن ماوقع مجرد تمثيلية هزلية….تم اختياره بأغلبية ساحقة، ليس لأنه صاحب فكر وبرنامج ورؤية سياسية ، بل لأنه وزع لكسكسو طيلة الحملة الانتخابية في كل الأسواق المحيطة بالقرية الفقيرة ، وقدم وعودا زائفة ، كما وهب لأكبر دوار في المنطقة مئذنة لتزيين المسجد المتواضع.

كان ” الحاج التهامي” المرشح الأكثر قوة وشهرة بين دواويرالقرية الشاسعة ، لأنه ببساطة كانت له القدرة على توزيع الابتسامات والكذب والمال.

داخل البرلمان، لم يكن يعرف آليات العمل. كان يتسلح بابتسامته الماكرة وعلاقاته الشعبية. يوم الجلسة الافتتاحية، كان جلبابه الجديد يمشي باختيال على الأرض ..

مرت الشهور، كانت الجلسات تتعاقب وتتشابه ، مثلها مثل أسئلة النواب المتشابهة. بينما كان الحاج التهامي، يراقب بهدوء شديد، ابتسامته لا تفارق شفتيه ، لكنه لم يستوعب ماذا كان يحدث أمام عينيه .

لم يجد أي اختلاف بين مقر البرلمان ، وميدان التبوريدة ، أما الفرق البرلمانية ، فقد بدت له كالسربات التي تحرص على إطلاق البارود في وقت واحد . كان يتحسر كثيرا لأنه لم يلج البرلمان بدرجة مقدم ، ليقود سربة برلمانية ، لكنه كان يحلم أن يحقق مبتغاه يوما ما ، خاصة وأنه أدرك بسرعة مثيرة أن العمل السياسي لا يتطلب أكثر من ابتسامات وأوراق مالية وكسكسو .

ظل الحاج التهامي متشبثا بطموحاته السياسية لقيادة فريق برلماني ، إلى أن حل ذلك اليوم المشؤوم . نزل عليه قانون الأسئلة الشفوية الجديد كالصاعقة . وجد نفسه مجبرا على طرح سؤال شفوي واحد على الأقل كل ستة أشهر.

كان هذأ القانون ، وكانت تلك اللحظة نفسها ، بمثابة تحد وجودي . وجد نفسه خارج أحلامه ، لأنه لا يتقن القراءة والكتابة، ومطالب – في إطار القانون- بطرح أسئلة أمام ممثلي الشعب!

في البداية، قرر أن يكون مبتكرا، راح يطرح الأسئلة على نفسه بشكل يومي ، وهو يتجول بين الأزقة والشوارع ، يحاول ان يلتقط همس ونبض المجتمع . رغم ذلك كان يدرك ان القانون وضعه في مأزق قد ينهي مستقبله السياسي :” ميمتي … كيفاش … وشكون يكتب لي سؤال كل ست شهور ؟ واش نسول على الزيت ولا على المسرح ؟ بلاش المسرح يمكن يكون حرام؟”

كانت الأسئلة تصطدم في ذهنه كسيارات سيرك قديم ، وهو يحاول أن يجد السؤال الذي يحمل حدا أدنى من المعنى.

يوم الجلسة، دخل إلى القبة ، جلس في مكانه المعتاد، وهو يرتجف. أخذ الورقة التي كتبها له معلم الدوار، ثم شرع في قراءة مضمونها بصعوبة ملحوظة : ” السي الوزير، ديال داكشي كلو… كاينين بزااف الناس فلبلاد… تايشكيو… من… من قلة شي حاجة… أنا ما عرفتش شنو هي بالضبط… ولكن كاين شي حاجة ناقصة …. أنا حاس بها … راه الوضع ما يستبشرش بالخير …. خاصكم السي لوزير ديال داكشي كلو .. توفروا هاذ الحاجة للي تيبحثوا عليها الناس …المعيشة تقيلة بزااف… وصلت لحالة لا يرثى لها !!! نشكروك السي لوزير ديال داكشي كلو ”

عندما أنهى الحاج التهامي سؤاله ، رفع سرواله . خيم صمت غريب على الجلسة، تلاه تصفيق هائل وضحكات غامضة. كان واضحا للجميع أن الحاج التهامي قد اختار أسلوبا مبتكرا في طرح الأسئلة، لكنه لم يكن يدرك بعد أن سؤاله قد يكون البداية التي ستوجه مستقبله ووعيه السياسي .

لم يشعر الحاج التهامي بالحرج، بل أحس بأنه أصبح الشخصية الأهم في البرلمان ، ولمس أن قياد جميع السربات ، بدأوا يرون فيه الرجل الذي يتكلم بكل صراحة وعفوية نيابة عن الشعب، الذي لا يسمع له صوت ، إلا حينما ينوب عنهم برلماني لا يفصل بين السربة والحزب السياسي ، والتبوريدة والنقاش السياسي المسؤول .

لكن مع مرور الوقت ، بدأ الحاج التهامي يشعر أن شيئا ما بدأ يتغير في ذاته ، بعد أن تحولت الجلسات السياسية التي يشارك فيها إلى عرض فكاهي بلا طعم ولا فائدة . مع كل سؤال يطرحه، كان يزداد شعورا بأنه مجرد أداة كوميدية في هذا النظام السياسي ، وأن هناك شيئا مفقودا في هذا المكان، شيئا أكبر من الأسئلة، أكبر من السياسة نفسها ، إنه : “الصمت المتمرد

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي جريدة البديل السياسي