الحركة الأدبية بشرق المملكة: القصة القصيرة نموذجا. بقلم الأستاذ يحي زروقي على سبيل التقديم:
جريدة البديل السياسي
الحركة الأدبية بشرق المملكة: القصة القصيرة نموذجا. بقلم الأستاذ يحي زروقي على سبيل التقديم:
القصة كما عرفها “أنطوان تشيكوف”: “كذبة متفق عليها ضمنيا بين القاص والمتلقي، لكن هذه الكذبة ليست من طينة الأكاذيب العادية البلقاء…
بل هي كذبة يضاهي صدقها وسموها، ربما الحقيقة ذاتها”، وغذت إحدى أرقى الأجناس الأدبية وأعظمها شفافية؛ لأنها فضحت أكاذيب المجتمعات المعاصرة، وعرت انحرافات الأفراد وسلوكات والمجتمعات المشوهة التي تدعي المثالية والمطلق. كما أن القصة حسب تعبير المفكر المغربي “عبد الله العروي” هي النموذج السردي الموائم لمجتمعنا المتشرذم.
1لقد ظلت الجهة الشرقية إلى حدود العقد التسعيني منطقة شاعرة بامتياز بالنظر إلى أسماء وازنة أضافت إلى المشهد الشعري بالمغرب قيمة فنية مائزة، ولولا لعنة الجغرافيا والإيديولوجيا لكان شعراء الجهة الشرقية ضمن رواد المبدعين المغاربة وغذت نصوصهم مواضيع مقاربات ودراسات وقراءات نقدية.
وفي عقد التسعينات سيظهر زخم قصصي واعد لكل من “عبد القادر معتوق، جمال بوطيب، محمد العتروس، وعبد المجيد بنمسعود…” لتتوالى بعدهم المجاميع القصصية مع وجود استثناءات خلال عقد الثمانين سنأتي على ذكرها لاحقا.
. أولا – مراحل تطور القصة القصيرة بالجهة الشرقية: بالاعتماد على بيبليوغرافيات القصة القصيرة يمكن تحقيب مراحل تطور القصة القصيرة بالمنطقة الشرقية كالآتي:
1/ مرحلة البناء والتشكل: ولعل خير من يمثل هذه الفترة محمد شكري من خلال مجموعتيه” مجنون الورد” 1979، و”الخيمة” 1985، ثم “محمد منيب البوريمي” مع مجموعته “الأسوار والكوريدا” سنة 1984. ومصطفى الراشدي من خلال: “جراح على جذران مليلية وسبتة” 1985.
. 2/ مرحلة التنظيم: يمكن تحديدها مع نهاية عقد الثمانين والتسعين، وخير مثال على المرحلة بأعمال قصصية “الحكاية تأبى أن تكتمل” لجمال بوطيب سنة 1993، ومجموعة “الأخدود” لعبد المجيد بنمسعود الصادرة سنة 1994، و””رسالة على ذيل قطة” لمحمد برمضان سنة 1995، و”برتقالة للزواج وبرتقالة للطلاق” لجمال بوطيب سنة 1996.
ثم مجموعة “قوارب الهجرة سنة 1997 لأحمد البديعي، و “رائحة رجل يحترق” لمحمد العتروس سنة 1998، ومجموعة “قرية أبريل” لعلي عبدوس التي صدرت سنة .1999.
3/ مرحلة الإبداع والانتشار: انطلاقا من سنة 2000م وما سيليها، ستعرف الجهة الشرقية زخما سرديا يؤهلها لتصبح “عرابة القصة” من حيث المجاميع القصصية، أو من خلال عدد القصاصين والقصاصات، ومشاركاتهم القيمة في الملتقيات والمهرجانات التي تنظم بالجهة أو خارجها، ويعزى ذلك إلى أن القصة القصيرة تجذب إليها العديد من الكتاب الهواة والمريدين، وبالنظر إلى سرعة انتشارها، وقصر حجمها، بل و”استسهال” بعضهم لها.
2 ومن المجموعات القصصية التي يمكن أن نذكرها على سبيل المثل لا الحصر: “ورود شائكة” لبديعة بنمراح سنة 2000، و”من وحي نقع امرأة خائنة” لزهر الدين طيبي سنة 2003، و”ريف الحسناء” لميمون حيرش سنة 2012″…..
ومجموعة “الولي الصالح سنة 2016″ ليحي زروقي. أيضا مجموعة:” قطار الحب يصل متأخرا” سنة 2019 لعبد الباسط بوشنتوف.
و”أحلام مغتصبة سنة 2021″ لرشيدة مولودي ومجموعة “ليلة هلع عند ناهد سنة 2022″ لعبد القهار الحجاري.”. و”حقيقة الأوهام” لسعيد بنعالية 2022، و”الشرفة الخلفية” و “بلاستار” لعلي درويش 2024.
ثانيا – سمات القصة القصيرة بشرق المملكة: إن الإبداع القصصي بالجهة الشرقية لا يكاد يختلف كثيرا عن الطابع العام الذي يميز القصة المغربية، ولعل من أهم سماته نذكر على سبيل المثال لا الحصر: 1. التعدد اللغوي بين اللغة العربية واللهجة المغربية والأمازيغية واللغات الأجنبية..
- هيمنة الشعر على غيره من الأجناس الأدبية لتأتي القصة القصيرة في المرتبة الموالية إلى جانب الرواية والمسرحية والزجل…
- مواكبة الإبداع القصصي للموجات الأدبية التي تطبع الأدب العالمي والمغربي بصفة خاصة كالتجريب.
- الحركة القصصية بالجهة الشرقية تبقى تجربة فتية لا تتعدى خمسة عقود، وتعرف تفاوتا في الإصدارات؛ إذ أغلب الإنتاجات القصصية لم تحظ بالطبع إلا مرة واحدة، واتسمت أيضا مسيرة بعض الكتاب بالقصر حيث لم تتجاوز عملا يتيما أو عملين على الأكثر.
أما خلال العقدين الأول والثاني من الألفية الثالثة فقد شهدت المنطقة الشرقية زخما سرديا مهما.
3 ثالثا – حصيلة القصة القصيرة بشرق المملكة: من خلال آخر المعطيات الإحصائية التي تخص المجموعات القصصية بشرق المملكة إلى حدود شهر دجنبر 2024 يتضح لنا ما يلي:
- وصل عدد المجموعات القصصية بالجهة الشرقية 261 من أصل 1078 مجموعة عبر التراب الوطني,
- 2- بلغ عدد كتاب وكاتبات القصة القصيرة 146 قاصة وقاصة. 3- يتصدر القاص محمد العتروس القائمة بإحدى عشرة مجموعة قصصية. تليه آمنة برواضي بخمس مجموعات قصصية.4 4-
- تبقى حصيلة المنجز السردي في جنس القصة القصيرة غير كافية بالنظر الى عدد القصاصين والقصاصات وباعتبار المنشور السردي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
- 5- رغم الانتشار الواسع للكتابة القصصية في مواقع التواصل الالكتروني ويسر الطباعة الرقمية والمواقع الثقافية والخاصة العربية والمغربية إلا أن النقد لم يواكبها بدعوى أن العدد الهائل ليس معيارا على الجودة، وافتقارها لتصور فني وجمالي واضح المعالم. وبالمقابل نجد نوعا من النقد لا يتوانى عن مجاملة بعض الكتابات القصصية التي لا ترقى الى مستوى القصة القصيرة التي يصبو إليه النقد الجاد.
- ومع ذلك تبقى الحصيلة غير كافية بالنظر إلى العدد الهائل الذي يمارس فعل الكتابة القصصية، ويكتفي بالنشر عبر صفحات التواصل الاجتماعي، والمجلات الإلكترونية.
- رابعا – التوصيات.5 للارتقاء بجودة الكتابة القصصية بمنطقتنا الشرقية وبالمغرب عموما، نقترح الآتي: 1) العمل على استثمار المنجز القصصي لا سيما المتعلق برواد القصة القصيرة مثل محمد شكري، ومحمد زفزاف، ومحمد إبراهيم بوعلو، وأحمد بوزفور وغيرهم… وذلك من خلال إعادة نشره والاحتفاء به
- . 2) خلق مادة السرد القصصي بالمؤسسات التعليمية بدءا من السلك الابتدائي عوض الاقتصار على السلك الإعدادي والتأهيلي . 3) العمل على خلق ورشات ودورات تكوينية للقصاصين الهواة والتلاميذ الموهوبين وإنتاج مجلات تعنى بنشر الجيد منها، بالإضافة إلى التكثيف من المسابقات التي تستهدف الكتابة القصصية على وجه الخصوص من خلال تفعيل الأندية التربوية والهياكل المؤسساتية… 4) ضرورة مواكبة النقد للمنجز القصصي دون مجاملة أو تسلط ووفق معايير أكاديمية وعلمية
- . 5) أن تؤديَ مؤسسات النشر والتوزيع دورا فاعلا في توزيع المنجز القصصي عبر ربوع التراب الوطني. 6)
- أن تتخلص الكتابة القصصية من أوجاعها بتعبير القاص “أحمد بوزفور” بدءا بوجع اللغة وقدرة معانيها على توجيه القصة، ووجع الإيقاع الذي يشكل أساسها، ووجع بنائها الفني ، بالإضافة إلى وجع النهاية التي تمثل في نظره “ضمادة جرح وليس علامة انتصار المبدع” ،ثم وجع العنوان حيث شبهه ب” قفص يبنيه الكاتب لعندليب بهي جميل وأنيق”6 7) أن تكون لدى كاتبات وكتاب القصة القصيرة رؤية استراتيجية عميقة ومبتكرة في طرق الإبداع وتفادي الاستسهال والتكرار والنمطية. على سبيل الختم: رغم كل شيء تبقى القصة القصيرة بالجهة الشرقية كائنا أدبيا متميزا ينبئ بمستقبل سردي واعد يجد فيه الكتاب الشباب نافذة تطل على الحياة بكل تلويناتها وتغيراتها السوسيو ثقافية والحضارية…
- وباعتبار المساحة الإبداعية الواسعة التي تحتلها القصة القصيرة اليوم عبر وسائل التواصل الإلكتروني نأمل أن تجد تلك التوصيات الآذان المصغية، والمتلقي الفاعل من أجل الارتقاء بها خصوصا، والأدب المغربي عموما. المراجع:
- كتاب”مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية” لنجيب العوفي. 2 . كتاب”بيبليوغرافيا الأدب المغاربي الحديث والمعاصر” لمحمد بن يحي قاسمي وكتاب “أربعون قاصا وقاصة” لمحمد العتروس.
- .مقال “واقع القصة القصيرة بالشرق المغربي” لمحمد عزيز المحساني ضمن فعاليات ملتقى القصة القصيرة. موقع صدى ذاكرة القصة القصيرة المغربية السابع غشت 2022
- . 4.إحصائيات حول “الأدب المغربي الحديث بالجهة الشرقية” للدكتور محمد بن يحي قاسمي ضمن فعاليات ملتقى القصة والشعر بوجدة أيام 27 ألى 29 دجنبر 2024
- . 5.مقال” القصة المغربية اليوم: الحال والمآل”: لعبد القهار الحجاري. قدمت هذه المداخلة ضمن أشغال ملتقى القصة القصيرة الأول الذي نظمته حلقة صدى ذاكرة القصة المصرية بمركز سيا بالقاهرة يوم 8 غشت 2022، أيضا ينظر:المذكرة الوزارية رقم 42 الصادرة بتاريخ 12 ابريل 2001 المتعلقة بتقعيل الأندية التربوية في المؤسسات التعليمية.
- . 6.لقاء مفتوح مع القاص
- “أحمد بوزفور” برحاب كلية الآداب بوجدة 20 أبريل 2024.
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار