جريدة البديل السياسي |دين و دنيا

المرابط: الترجمة الخاطئة للنصوص المقدسة أنتجت كراهية النساء.. والقرآن يتحدث عن “عدالة متساوية”

photo_cercle_diplo1

جريدة البديل السياسي

أكدت الباحثة المغربية المتخصصة في الفكر الإسلامي، أسماء المرابط، أن الترجمة الخاطئة للنصوص المقدسة لعبت دورا حاسما في ترسيخ نظرة دونية تجاه النساء، معتبرة أن هذا “الانحراف في الترجمة” أدى إلى إنتاج ما وصفته بـ “أساس الميسوجينيا (كراهية النساء) الكونية”، والمتمثل في الاعتقاد بخلق المرأة ككائن دوني.

خلال مداخلتها في حلقة النقاش الفكري التي نظمها المعهد الفرنسي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بعين الشق حول “الإسلام من منظور الحركات النسوية في إفريقيا”، يوم الخميس 8 ماي الحالي، قالت المرابط إن هذا التصور لا يوجد في النص القرآني، ولا حتى في بعض النصوص التوراتية، إلا أنه تم تهميش الروايات البديلة التي تنفي هذه الفكرة.

 

وأوضحت المرابط أنها اشتغلت كثيرا مع لاهوتيات نسويات مسيحيات ويهوديات، ووجدت أن هناك نصين في التوراة مثلا: أحدهما يتحدث عن خلق المرأة من ضلع الرجل، وهو ما يمثل، بحسبها، ” الميثولوجيا التأسيسية للميسوجينيا العالمية، الدينية منها وغير الدينية”، فيما يتحدث النص الثاني عن خلق المرأة كرجل على قدم المساواة. وقالت إن هذا الفهم المتوازن تم تهميشه لصالح التفسير الذكوري.

وأكدت أن العلوم الإسلامية التقليدية أعادت إنتاج هذا المعنى المتحيز، بسبب السياق الذكوري السائد حينها، معتبرة أن “ترجمة لفظ الزوجة في بعض الآيات القرآنية غير دقيقة”، لأن الآية الأصلية تتحدث عن “خلق من نفس واحدة”، من “جوهر أو مادة أو نفَس مشترك”، وليس عن امرأة بصفة الزوجة. واعتبرت أن ترجمة الكلمة إلى “زوجة” كانت محاولة للتماشي مع التأويلات التوراتية والإسلامية الذكورية.

وفيما يخص مصطلح “النسوية الإسلامية”، عبرت المرابط عن رفضها لهذا التصنيف، مؤكدة أن “التسمية مفروضة من الأكاديميا الأمريكية”، وأنه “لا توجد حركة حقيقية أو تيار يُعرف نفسه كنسوية إسلامية”. وذكرت أن الباحثة الأمريكية مارغو بدران هي من صاغت هذا المفهوم عند دراستها لتجارب نساء مثل أسماء برلاس بباكستان، ورفعت حسن في مصر، وغيرهما، معتبرة أنهن يشتغلن على النصوص الدينية، فصنفتهن ضمن هذا الإطار المفهومي. لكن المرابط تؤكد: “نحن لم نسم أنفسنا نسويات إسلاميات”.

واعتبرت أن ما يوجد بالفعل هو “نساء أكاديميات ومفكرات ورجال أيضا يشتغلون على إعادة قراءة النصوص الدينية”، وهي قراءات تصفها المرابط بـ”النسائية” أو “النسوية” من منظور إصلاحي أو قائم على ما تسميه “العدالة المتساوية”. وأضافت: “القرآن لا يتحدث عن مساواة الجندر، ولا يجب أن نسقط عليه مفاهيم معاصرة”، لكنه يتحدث عن “عدالة متساوية”، وهو ما تعتبره أساسا إمكانيا لتأويلات تتناسب مع العصر.

وشددت المرابط على أن هذه القراءة لا تفرض “مساواة الجندر” على النص، بل تحاول استخدام لغة مفهومة وسياقيا ملائم، مشيرة إلى أن حتى بعض التيارات النسوية الغربية بدأت تُراجع استعمال هذا المفهوم. ولفتت إلى أن رفض المؤسسات الدينية لمبدأ المساواة نابع من تصور أن هذه المفاهيم “معلمنة ومستوردة”، في حين أن مناصري العدالة المتساوية مقتنعون بها من منطلق إيماني وفكري عميق.

وفي إطار حديثها عن مسار النسوية في المغرب، أشادت المرابط بالدور الريادي الذي لعبته النسويات العلمانيات في البلاد، وقالت: “أقولها دائما، لولا هؤلاء النسويات، لما كان هناك حركة تحررية في المغرب”. لكنها شددت في الوقت ذاته على أن هذا النسق لم ينشأ في فراغ، بل هو امتداد للنسوية الوطنية التي وُلدت من رحم نضالات النساء ضد الاستعمار، والتي كانت مدفوعة بروح سياسية ذات طابع إسلامي.

واستحضرت المرابط لحظة مفصلية من خمسينيات القرن الماضي، عندما كتب المفكر المغربي علال الفاسي في كتابه “النقد الذاتي” بأنه يؤيد إلغاء تعدد الزوجات، مشيرة إلى أن هذا الموقف لا يمكن الجهر به اليوم حتى من قبل النخب. واعتبرت أن ذلك الزمن كان يسمح بنقاشات جريئة حول الإسلام ومسائله الاجتماعية.

وعرجت في مداخلتها على المرحلة التي عرفت صعود النسوية العلمانية منذ سبعينيات القرن الماضي إلى أواخر التسعينات، حيث سادت توجهات اليسار عالميا، وتم اعتبار الدين أداة لقمع النساء. وقالت: “لكن المشكل لم يكن في الدين، بل في سلطة المتدينين”، معتبرة أن التمييز بين الدين وسلطة تفسيره كان غائبا آنذاك، وأن هذا الفهم بدأ يتبلور مع بروز الإصلاحات القانونية بالمغرب عام 2004، وتزامنها مع صعود الإسلام السياسي.

وأشارت المرابط إلى أطروحة الباحثة نيكولا هوسكي التي تقول إن “تحرر النساء في الغرب لم يكن وليد النسوية، بل نتيجة الثورة الصناعية والتقنية والعلمية، التي حررت النساء من أعباء بيولوجية واجتماعية، ومكنت لاحقا من إنتاج الفكر النسوي”. وبناء على هذا، قالت المرابط إن النسوية الإسلامية هي أشبه بـ”رد فعل”، وهو ما عبرت عنه الباحثة زينب الحسيني منذ عشرينيات القرن الماضي، حين وصفتها بـ”الابن غير المرغوب فيه للإسلام السياسي”.

وربطت نشأة هذا التيار النسوي بالإسلام السياسي، موضحة أن “منذ الثمانينات، انتشرت أيديولوجيا الإسلام السياسي التي غزت المجتمعات العربية والإسلامية، وكان من أبرز تجلياتها التركيز على النساء باعتبارهن الحلقة الأضعف”. وأضافت: “إلى اليوم، لا يُستحضر موضوع المرأة إلا عند الحاجة لإثارة جدل أو معركة أيديولوجية، أما في باقي المواضيع فلا نسمع لهم صوتا”.

وشددت المرابط على أن النساء الأكاديميات واللاهوتيات، سواء كن متدينات أو لا، يُجمِعن على ضرورة استعمال أدوات معرفية ودينية لمجابهة التراجعات والانزلاقات التي تهدد مكانة المرأة، قائلة: “نحن جميعا مسلمات، مؤمنات أو لا، ولكننا متمسكات بهذه التقاليد وهذه السرديات التي ننتسب إليها، ولهذا، وجب أن نرد باستعمال أدوات المعرفة ضد الجهل والتحجر”.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي جريدة البديل السياسي